فصل: الفصل الرابع: تدبير الأطفال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع: تدبير الأطفال:

إذا انتقلوا إلى سنّ الصبا يجب أن يكون وكد العناية مصروفاً إلى مراعاة أخلاق الصبي فيعدل وذلك بأن يحفظ كيلا يعرض له غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر وذلك بأن يتأمل كلّ وقت ما الذي يشتهيه ويحنّ إليه فيقرب إليه وما الذي يكرهه فينحى عن وجهه وفي ذلك منفعتان: إحداهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة.
والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا حدثت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها فإن الغضب يسخن جداً والغم يجفف جداً والتبليد يرخي القوة النفسانية وتميل بالمزاج إلى البلغمية ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعاً معاً وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلّى بينه وبين اللعب ساعة ثم يطعم شيئاً يسيراً ثم يطلق له اللعب الأطول ثم يستحمّ ثم يغذّى ويجنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام لئلا ينفذه فيهم نيئاً قبل الهضم.
وإذا أتى عليه من أحواله ست سنين فيجب أن يقدم إلى المؤدب والمعلم ويدرج أيضاً في ذلك ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة فإذا بلغ سنهم هذا السن نقص من إجمامهم وزيد في تعبهم قبل الطعام وجنبوا النبيذ خصوصاً إن كان أحدهم حار المزاج مرطوبه لأن المضرة التي تبقى من النبيذ وهي توليد المرار في ضاربيه تسرع إليهم بسهولة والمنفعة المتوقعة من سقيه وهي إدرار المرار منهم أو ترطيب مفاصلهم غير مطلوبة فيهم لأن مرارهم لا تكثر حتى تستدر بالبول ولأن مفاصلهم مستغنية عن الترطيب وليطلق لهم من الماء البارد العذب النقي شهوتهم ويكون هذا هو النهج في تدبيرهم إلى أن يوافوا الرابع عشر من سنيهم مع الإحاطة بما هو ذاتي لهم كل يوم من تنقص الرطوبات والتجفف والتصلّب فيدرجون في تقليل الرياضة وهجر المعنفة منها ما بين سن الصبا إلى سن الترعرع ويلزمون المعتدل.
وبعد هذا السن تدبيرهم هو تدبير الإنماء وحفظ صحة أبدانهم.
فلننتقل إليه ولنقدم القول في الأشياء التي فيها ملاك الأمر في تدبير الأصحاء البالغين ولنبدأه بالرياضة.

.التعليم الثاني: التدبير المشترك للبالغين:

وهو سبعة عشر فصلاً:

.الفصل الأول: جملة القول في الرياضة:

لما كان معظم تدبير حفظ الصحة هو أن يرتاض ثم تدبير الغذاء ثم تدبير النوم وجب أن نبدأ بالكلام في الرياضة فنقول: الرياضة هي حركة إرادية تضطر إلى التنفس العظيم المتواتر والموفق لاستعمالها على جهة اعتدالها في وقتها به غناء عن كل علاج تقتضيه الأمراض المادّية والأمراض المزاجية التي تتبعها وتحدث عنها وذلك إذا كان سائر تدبيره موافقاً صواباً.
وبيان هذا هو أنا كما علمت مضطرون إلى الغذاء وحفظ صحتنا هو بالغذاء الملائم لنا المعتدل في كميته وكيفيته وليس شيء من الأغذية بالقوة يستحيل بكليته إلى الغذاء بالفعل بل يفضل عنه في كل هضم فضل والطبيعة تجتهد في استفراغه ولكن لا يكون استفراغ الطبيعة وحدها استفراغاً مستوفى بل قد يبقى لا محالة من فضلات كل هضم لطخة وأثر فإذا تواتر ذلك وتكرر اجتمع منها شيء له قدر وحصل من اجتماعه مواد فضلية ضارة بالبدن من وجوه.
أحدها: أنها إن عفنت أحدثت أمراض العفونة وإن اشتدت كيفياتها أحدثت سوء المزاج وإن أكثرت كمياتها أورثت أمراض الامتلاء المذكورة وإن انصبت إلى عضو أورثت الأورام.
وبخاراتها تفسد مزاج جوهر الروح فيضطر لا محالة إلى استفراغها واستفراغها في أكثر الأمر إنما يتم ويجود إذا كان بأدوية سمية ولا شك أنها تنهك الغريزة ولو لم تكن سمية أيضاً لكان لا يخلو استعمالها من حمل على الطبيعة كما قال أبقراط إن الدواء ينقي وينكي ومع ذلك فإنها تستفرغ من الخلط الفاضل والرطوبات الغريزية والروح الذى هو جوهر الحياة شيئاً صالحاً وهذا كله مما يضعف قوة الأعضاء الرئيسة والخادمة فهذه وغيرها مضار الامتلاء ترك على حاله أو استفرغ ثم الرياضة أمنع سبب لاجتماع مبادىء الامتلاء إذا أصبت في سائر التدبير معها مع إنعاشها الحرارة الغريزية وتعويدها البدن الخفة وذلك لأنها تثير حرارة لطيفة فتحلّل ما اجتمع من فضل كل يوم وتكون الحركة معينة في إزلاقها وتوجيهها إلى مخارجها فلا يجتمع على مرورة الأيام فضل يعتد به ومع ذلك فإنها كما قلنا تنمّي الحرارة الغريزية وتصلب المفاصل والأوتار فيقوى على الأفعال فيأمن الإنفعال وتعتد الأعضاء لقبول الغذاء بما ينقص منها من الفضل فتتحرك القوة الجاذبة وتحل العقد عن الأعضاء فتلين الأعضاء وترقّ الرطوبات وتتسع المسام وكثيراً ما يقع تارك الرياضة في الدق لأن الأعضاء تضعف قواها لتركها الحركة الجالبة إليها الروح الغريزية التي هي آلة حياة كل عضو.

.الفصل الثاني: أنواع الرياضة:

الرياضة منها ما هي رياضة يدعو إليها الاشتغال بعمل من الأعمال الإنسانية ومنها رياضة خالصة وهي التي تقصد لأنها رياضة فقط وتتحرّى منها منافع الرياضة ولها فصول: فإن من هذه الرياضة ما هو قليل ومنها ما هو كثير ومن هذه الرياضة ما هو قوي شديد ومنها ما هو ضعيف ومنها ما هو سريع ومنها ما هو بطيء ومنها ما هو حثيث أي مركب من الشدة والسرعة ومنها ما هو متراخ وبين كل طرفين معتدل موجود.
وأما أنواع الرياضة فالمنازعة والمباطشة والملاكزة والإحضار وسرعة المشي والرمي عن القوس والزفن والقفز إلى شيء ليتعلق به والحجل على إحدى الرجلين والمثاقفة بالسيف والرمح وركوب الخيل والخفق باليدين وهو أن يقف الإنسان على أطراف قدميه ويدل يديه قداماً وخلفاً ويحركهما بالسرعة وهي من الرياضة السريعة.
ومن أصناف الرياضة اللطيفة اللينة الترجيح في الأراجيح والمهود قائماً وقاعداً ومضطجعاً وركوب الزواريق والسماريات.
وأقوى من ذلك ركوب الخيل والجمال والعمَارِيات وركوب العجل.
ومن الرياضات القوية الميدانية وهو أن يشد الإنسان عدوه في ميدان ما إلى غاية ثم ينكص راجعاً مقهقراً فلا يزال ينقص المسافة كل كرة حتى يقف آخره على الوسط ومنها مجاهدة الظل والتصفيق بالكفين والطفر والزج واللعب بالكرة الكبيرة والصغيرة واللعب بالصولجان واللعب بالطبطاب والمصارعة وإشالة الحجر وركض الخيل واستقطافها والمباطشة أنواع: فمن ذلك أن يشبك كل واحد من الرجلين يده على وسط صاحبه ويلزمه ويتكلف كل واحد منهما أن يتخلص من صاحبه وهو يمسكه وأيضاً أن يلتوي بيديه على صاحبه يدخل اليمين إلى يمين صاحبه واليسار إلى يساره ووجهه إليه ثم يشيله ويقلبه ولا سيما وهو ينحني تارة وينبسط أخرى ومن ذلك المدافعة بالصدرين ومن ذلك ملازمة كل واحد منهما عنق صاحبه يجذبه إلى أسفل ومن ذلك ملاواة الرجلين والشغزبية وفحج رجلي صاحبه برجليه وما يشبه هذا من الهيئات التي يستعملها المصارعون.
ومن الرياضات السريعة مبادلة رفيقين مكانيهما بالسرعة ومواترة طفرات إلى خلف يتخللها طفرات إلى قدام بنظام وغير نظام.
ومن ذلك رياضة المسلتين وهو أن يقف إنسان موقفاً ثم يغرز عن جانبيه مسلتين في الأرض بينهما باع فيقبل عليهما ناقلاً المتيامنة منهما إلى المغرز الأيسر والمتياسرة إلى المغرز الأيمن ويتحرى أن يكون ذلك أعجل ما يمكن.
والرياضات الشديدة والسريعة تستعمل مخلوطة بفترات أو برياضات فاترة.
ويجب أن يتفنن في استعمال الرياضات المختلفة ولا يقام على واحده ولكل عضو رياضة تخصه.
أما رياضة اليدين والرجلين فلا خفاء بها وأما الصدر وأعضاء التنفس فتارة يراض بالصوت الثقيل العظيم وتارة بالحاد ومخلوطاً بينهما فيكون ذلك أيضأ رياضة للفم واللهاة واللسان والعين أيضأ ويحسن اللون وينقي الصدر ويراض بالنفخ مع حصر النفس فيكون ذلك رياضة ما للبدن كله ويوسع مجاريه وإعظام الصوت زماناً طويلاً جداً مخاطرة وإدامة شديدة تحوج إلى جذب هواء كثير وفيه خطر وتطويله محوج إلى إخراج هواء كثير وفيه خطر.
ويجب أن يبدأ بقراءة لينة ثم يرفع بها الصوت على تدريج ثم إذا شدد الصوت وأعظم وطول جعل زمان ذلك معتدلاً فحينئذ ينفع نفعاً بيناً عظيماً فإن أطيل زمانه كان فيه خطر للمعتدلين الصحيحين.
ولكل إنسان بحسبه رياضة وما كان من الرياضات اللينة مثل الترجيح فهو موافق لمن أضعفته الحميات وأعجزته عن الحركة والقود والناقهين ولمن أضعفه شرب الخربق ونحوه ولمن به مرض في الحجاب وإذا رفق به نوم وحلل الرياح ونفع من بقايا أمراض الرأس مثل الغفلة والنسيان وحرك الشهوات ونبه الغريزة وإذا رجح على السرير كان أوفق لمن به مثل شطر الغب والحميات المركبة والبلغمية ولصاحب الحبن وصاحب أوجاع النقرس وأمراض الكلى فإن هذا الترجيح يهيىء المواد إلى الانقلاع واللين لما هو ألين والقوي لما هو أقوى.
وأما ركوب العجل فقد يفعل هذه الأفعال لكنه أشد إثارة من هذا وقد يركب العجل والوجه إلى خلف فينفع ذلك من ضعف البصر وظلمته نفعاً شديداً.
وأما ركوب الزواريق والسفن فينفع من الجذام والاستسقاء والسكتة وبرد المعدة ونفختها وذلك إذا كان بقرب الشطوط وإذا هاج من غثيان ثم سكن كان نافعاً للمعدة وأما الركوب في السفن مع التلحيج في البحر فذلك أقوى في قلع الأمراض المذكورة لما يختلف على النفس عن فرح وحزن.
وأما أعضاء الغذاء فرياضتها تابعة لرياضة سائر البدن.
والبصر يراض بتأمل الأشياء الدقيقة والتدريج أحياناً في النظر إلى المشرفات برفق.
والسمع يراض بتسمع الأصوات الخفية وفي الندرة بسماع الأصوات العظيمة ولكل عضو رياضة خاصة به.
ونحن نذكر ذلك في حفظ صحة عضو عضو وذلك إذا اشتغلنا بالكتاب الجزئي وينبغي أن يحذر المرتاض وصول حمية الرياضة إلى ما هو ضعيف من أعضائه إلا على سبيل التبع مثلاً من يعتريه الدوالي فالواجب له من الرياضة التي يستعملها أن لا يكثر تحريك رجليه بل يقلل ذلك ويحمل برياضته على أعالي بدنه من عنقه ورأسه وبدنه بحيث يصل تأثر الرياضة إلى رجليه من فوق والبدن الضعيف رياضته ضعيفة والبدن القوي رياضته قوية.
واعلم أن لكل عضو في نفسه رياضة تخصه كما للعين في تبصر الدقيق وللحلق في إجهار الصوت بعد أن يكون بتدريج وللسن والأذن كذلك وكل في بابه.

.الفصل الثالث: وقت ابتداء الرياضة وقطعها:

وقت الشروع في الرياضة يجب أن يكون البدن نقياً وليس في نواحي الأحشاء والعروق كيموسات خامة رديئة تنشرها الرياضة في البدن ويكون الطعام الأمسي قد انهضم في المعدة والكبد والعروق وحضر وقت غذاء آخر ويدل على ذلك نضج البول بالقوام واللون ويكون ذلك أول وقت هذا الانهضام فإن الغذاء إذا بعد العهد به وخلت الغريزة مدة عن التصرف في الغذاء واشتعلت النارية في البول وجاوزت حد الصفرة الطبيعية فإن الرياضة ضارة لأنها لم تنهك القوة.
ولهذا قيل إن الحال إذا أوجبت رياضة شديدة فبالحري أن لاتكون المعدة خالية جداً بل يكون فيها غذاء قليل أما في الشتاء فغليظ وأما في الصيف فلطيف ثم أن يرتاض ممتلئاً خير من أن يرتاض خاوياً وأن يرتاض حاراً أو رطباً خير من أن يرتاض والبدن بارد أو جاف وأصوب أوقاته الاعتدال وربما أوقعت الرياضة حار المزاج يابسه في أمراض فإذا تركها صح.
ويجب على من يرتاض أن يبدأ فينقص الفضول من الأمعاء ومن المثانة ثم يشتغل بالرياضة ويتدلك أولاً للإستعداد دَلْكاً ينعش الغريزة ويوسع المسام وأن يكون التدلك بشيء خشن ثم يتمرخ بدهن عذب ثم يدرج التمريخ إلى أن يضغط العضو به ضغطاً غير شديد الوغول ويكون ذلك بأيد كثيرة ومختلفة أوضاع الملاقاة ليبلغ ذلك جميع شظايا العضل ثم يترك ثم يأخذ المدلوك في الرياضة.
أما في زمان الربيع فأوفق أوقاتها قرب انتصاف النهار في بيت معتدل ويقدم في الصيف.
وأما في الشتاء فكان القياس أن يؤخر إلى وقت المساء لكن الموانع الآخرى تمنع منه فيجب أن يدفأ في الشتاء المكان ويسخن ليعتدل.
وتستعمل الرياضة في الوقت الأصوب بحسب ما ذكرناه من انهضام الغذاء ونقص الفضل.
وأما مقدار الرياضة فيجب أن يراعى فيه ثلاثة أشياء: أحدها: اللون فما دام يزداد جودة فهو بعد وقت والثاني: الحركات فإنها ما دامت خفيفة فهو بعد وقت والثالث: حال الأعضاء وانتفاخها فما دامت تزداد انتفاخاً فهو بعد وقت وأما إذا أخذت هذه الأحوال في الانتقاص وصار العرق البخاري رشحاً سائلاً فيجب أن تقطع وإذا قطعها أقبل عليه بالدهن المعرق ولا سيما وقد حصر نفسه.
فإذا وقعت في اليوم الأول على حد رياضته وغذوته فعرفت المقدار الذي احتمله من الغذاء فلا تغير في اليوم الثاني شيئاً بل قدر غذاء ورياضته في اليوم الثاني على حده في اليوم الأول.